في كل مرة أذهب للمطار أجد أكثر من شخص قد تهيأ للذهاب للعمرة وقد تجرد من ملابسه الرسمية وارتدى ملابس الإحرام متجها لمكة.

فحينما تخلو بنفسك وتتفكر ماذا يريد هؤلاء عندما يعزموا للذهاب إلى العمرة؟!! وارتدى تلك الملابس التي يرتديها الغني والفقير، الملك وأفراد المجتمع، تتجلى لك الحقائق والحكمة من أن هؤلاء ينشدون بيت الله الحرام ويتهيؤون للقاء ملك الملوك الله عز وجل فيذهبون إليه يناجونه ويدعونه ويتقربون منه وينطرحون بين يديه لبيك اللهم لبيك، تغمرهم السعادة في تلك الرحلة لأنهم قد أذن لهم بمقابلة ملك الملوك بدون موعد، ما كان عليهم إلا أن استعدوا وعقدوا النية وذهبوا إليه من دون موعد ولا حجاب، يسمع كلامهم بكل اللغات ويرى مكانهم في أصقاع البيت الحرام ما أجملها من رحلة إلى الله .

فلو طفت الأرض قاطبة لم تجد ولن تجد مثل تلك الرحلة فأنت ذاهب إلى الرحمن، وهنا يحتار العبد عندما يدخل البيت الحرام ما هي المسألة التي سوف أناجي بها الله؟!! فيوفقك الله لسؤاله بلغتك البسيطة وحاجتك التي أنهكتك ويوفقك لتسبيحه والابتهال إليه وانسكاب الدمعة على صفحة خدك له، تدعوه أن يكشف كرباً أو يزيل هماً أو يرزقك جنة عرضها السماوات والأرض أو يفتح عليك في هذه الدنيا مفاتيح الخير، فأنت بين يدي كريم إذا أعطى أدهش وإذا قال كن فيكون لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لا يحتاج إلى وسيط إنما يحتاج القلب المخلص للدعاء المصدق والمؤمن به سبحانه الخالي من النفاق والشقاق والحقد والحسد والشركيات.

ومن أسمائه سبحانه القريب فهو قريب منكم صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى، قال سبحانه (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) دعاء واستجابة، وقال تعالى { أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ } .

وعندما تقول لإنسان اذهب إلى فلان وسوف يقضي حاجتك كيف تغمرك السعادة ، فكيف وأنت ذاهب إلى الله قاضي الحاجات ؟!! ما عليك إلا أن تقول يا الله وتسأله ما بدا لك، أتظنه يرد دعاءك صفرا؟ كلا، فقد ورد في الحديث عن سلمان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم حَييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه، أن يَرُدَّهُمَا صِفْراً».

تأمل بعد ذلك هؤلاء الذين جاءوا من أصقاع الأرض وقد لبسوا اللباس الأبيض مقبلين على الله، ثم تأمل عرصات يوم القيامة وكيف سيقف الناس أمام الله وهذه المليارات تسأل وتوزن أعمالهم ففريق في الجنة وفريق في النار، ذلك المشهد العظيم الذي تقف فيه كل الخليقة منذ مبدئها من آدم عليه السلام وحتى آخر من يولد في هذه الدنيا ، من كان له حق في الدنيا ولم يأخذه سوف يأخذه يوم القيامة في المحكمة الإلهية بين العباد حتى الشاة الجلحاء تأخذ حقها من الشاة القرناء، ميزان العدل هو بين الإنس والجن والحيوانات، تلك اللحظات العصيبة الوقوف بين يدي الله ومرور الصراط والميزان فإن مررت بذلك وأدخلت الجنة فلا تبأس بعدها أبدًا، لا صخب ولا مرض ولاهم ولاغم كل ما تريده وما لا تريده هو في جنة الله، في تلك الجنة ترى الأنبياء والصالحين ثم يدعوك الله عز وجل لرؤيته فما أجملها من لحظة ترى ملك الملوك.

نسأل الله أن نكون ممن طال عمره وحسن عمله وختم له بخاتمة حسنة كما نسأله سبحانه أن يجعلنا من عباده الذين يقال لهم ادخلوا الجنة بسلام .

‏الله.. وأضربت دموعي خشية .. ارحم أنين الحبِ في دمَعاتي
‏الله.. والتهب الفؤادُ حرائِقًا .. ارحم لهيب الحبّ في نبضاتي
‏الله.. واندفعت حروفي لهفةً .. ارحم شعور الحبّ في أبياتي