لن يكون من قبيل المبالغة القول بأن أعظم حدث في تاريخ الجزيرة العربية في الألف سنة الماضية، هو قيام الدولة السعودية الأولى على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود رحمه الله عام ١٧٢٧ م

فمنذ، انتقال عاصمة الخلافة إلى الكوفة، بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعد ذلك إلى دمشق في الدولة الأموية، أُسدِل ستار غليظ على تاريخ الجزيرة العربية ، و غابت عن المشهد السياسي وتجاهلها التاريخ ، ومضت في سبات عميق وطويل ، وحالة من التشرذم والجهل والشتات و حياة التناحر و الفُرقة وغياب السِلم المطمئن وامتهان كرامة الانسان وسلبه أدنى ضرورات الحياة ،

وإنك لتعجب كيف حضرت في ذهن محمد بن سعود بعد كل هذه القرون المُظلِمة ، فكرة الدولة ورفاهية الامن وديمومة الاستقرار ، كيف نهض فيه حلم الدولة وأستنهض من حوله لصناعة التاريخ في بيئة مهزوزة يتردد في اوصالها هاجس الموت الذي يُعكِّر حتى صفو حلم رجل بسيط بنوم ليلة واحدة بعيداً عن سلاحه ،

فبعد ما يقرب من ألف سنة على تلك الحالة ، التي وصفها الاديب و المؤرخ عبدالرحمن بن زيد السويداء بـ ( الألف سنة الغامضة في تاريخ الجزيرة العربية ) ،

أنجبت الجزيرة العربية منقذها وفارسها وحاكمها الفذّ الامام محمد بن سعود ، ولد محمد بن سعود بن محمد بن مقرن في الدرعية عام ١٠٩٠ هـ وتولى ( بعد أبيه وجده) إمارتها في الفترة ١١٣٩- ١١٧٩ هـ ١٧٢٧-١٧٦٥ م

غرس خلالها النواة الاولى للدولة ( السعودية الاولى ) تجاوز بفكرة امارة القبيلة ومشيخة الاسرة الواحدة ونقلها من حكم دولة المدينة الى حكم الدولة لمدن ومناطق وجهات فأسس وحدة بين الدرعية والبلدات المجاورة والقبائل المتناثرة في محيطها وبسط سيطرته على أرجائها بعدله وحنكته وفكرة الذي سبق فيه عصره ، وأمّن طريق الحجاج وقوافل التجارة حتى اصبحت الدرعية احدى المحطات الكبري في طريق الحجاج ، ونظّم الاوضاع الاقتصادية وبنى اسوار الدرعية العظيمة.

واستمر في توحيد الشتات وإنهاء حالت التشرذم في وسط الجزيرة العربية لتتشكل بذلك أولى مراحل نشأة الدولة السعودية الاولى و لتكتمل من بعده على يد ابناءه واحفاده حتى بلغ امتدادها حدود العراق والشام ومعظم نواحي الجزيرة العربية وازدهرت ازدهاراً كبيرا جدا لاسيما في عهد إبنه عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي حكم الدرعية في الفترة ( ١٧٦٥-١٨٠٣ م )

وظهرت مظاهر الرفاهية على أهلها حتى ليذكُر المؤرخ والنسّابة عثمان بن بشر (١٢١٠-١٢٩٠ هـ) الذي عاصر الدولة السعودية الاولى والثانية ودوّن أحداثها في كتابه ( عنوان المجد في تاريخ نجد. ) أنه اشرف ذات يوم على الدرعية فوجدها من الشرق الى الغرب وقد امتلئت بالناس في موسم الدرعية بين بائع ومشتري ،

وكانت تُجلب الخيل والنجائب العُمانية وكافة البصائع من مختلف مصادرها كالهند وغيرها الى الدرعية . . ، ويذكر انه كانت مع الناس الاسلحة المُحلّاه بالذهب والفضة وظهر الغنى وحياة الرفاه على معظم الناس في الدرعية . . ، ويصف المؤرخ النجدي بن بشر، الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود – ثاني أئمة الدولة السعودية الأولى- فيقول: “وهو حقيق بأن يلقب مهدي زمانه لأن الشخص يسافر بالأموال العظيمة في أي وقت شاء شتاء، وصيفا، يمينا وشمالا، شرقا وغربا، في نجد، والحجاز، وتهامة، وغير ذلك، لا يخشى أحدا إلا الله،

وذكر استباب الامن وازدهار الدولة في تلك الفترة الرحالة السويسري ( جون لويس بوركهاردت ) فيقول في كتابه عن رحلاته في شبه جزيرة العرب ( توقف تقريباً كل النهب الفردي والجماعي بين كل من حاضرة جزيرة العرب وباديتها ولعله لِأول مرة منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصبح التاجر يستطيع اختراق عمق صحراء الجزيرة العربية وحده بأمان تام وأصبح البدو ينامون دون خوف من أن تؤخذ دوابهم من قبل لصوص الليل . . . )

و يقول المؤرخ والأديب أمين الريحاني في كتابه “تاريخ نجد الحديث وملحقاته” ،، إنه منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى بداية العهد السعودي، لم يسعد العرب بمن يجمع شملهم، ويوحد كلمتهم، إلا مع قيام الدولة السعودية . . ،،

كما ان ما يبعث على الدهشة في فكر محمد بن سعود اهتمامه الكبير بتطوير البنية العمرانية على نحو فريد ومختلف عن المألوف في الجزيرة العربية ذلك الوقت اذا بنى حمامات الدرعية الاستثنائيه في مغزاها والتي لم تكن معروفه في نجد ذلك الوقت وكان البناء فريداً في تصميمة حيث تم بناء قبّة في الغرفه الحارّة وهو عنصر معماري يندر وجوده في الجزيرة العربية ذلك الوقت
وهي بهذا الوصف تشبه الحمامات التي بناها حكام الدولة الاموية في الاندلس ونجدها الان في اثار قصورهم وفي مدينة الزهراء التي بناها الخليفة الأموي عبدالرحمن الناصر في سنة (٣٢٥هـ /٩٣٦م) في ضواحي قرطبة ،

ويعتبر محمد بن سعود مؤسس مراسم وبروتوكولات الحكم والضيافة السعودية اذا بنى قصرا للحكم والضيافة وقسّم يومه فوقتاً للقاء سادة القبائل ووقتاً للمثقفين والشعراء ووقتاً لاستقبال الشكاوي ،

وهانحن اليوم في عهد الملك العظيم سلمان بن عبدالعزيز الحاكم الخامس عشر من حكام الدولة السعودية منذُ نشأتها الاولى عام ١٧٢٧م نحتفل بيوم تاسيس هذا الكيان الشامخ يوم عادت راية التوحيد تُرفرِفُ من جديد في سماء جزيرة العرب .

وحتى أعادت الان هذه الدولة السعودية الراسخة في عمق التاريخ للعرب حضورهم المؤثر ووهجهم النابع من إرثهم وتاريخهم المجيد واصبح هذا الوطن الذي أنطلقت شرارته الاولى من الدرعية قبل ثلاثة قرون مؤثرا عالمياً في صناعة القرار الدولي وأصبحت المملكة دولة وازِنة غيّرت خارطة القوى واصبحت وِجهة للعالم في كل المناسبات سياسياً واقتصادياً ورياضياً وترفيهياً ، وأصبح مواطنها الاعلى أسهماً والارفع قامة بين مواطني دول العالم ، واكثرهم قيمة ورفاه ،

ولا زالت السعودية وستبقى قذى في عين الاعداء المكدودين بالحسد وأجندات الخراب ، وسنبقى وحدة لا تقبل التجزيء وهوبة لاتقبل المزايدة وولاءً شامخاً تتقزم أمامه كل الاطماع ،

كل عام وهذا الوطن عزيزا شامخاً لا يطاله اللئام ولا يفت في عضده الاقزام .