لم تأثر أكثر مما تأثرت في حياتي إلا بعد رحيل والداتي ثم بعد ذلك رحيل والدي رحمهما الله لقد كان والدي ليس مجرد أب بل كان صديقاً ورفيق درب ليس إي رفيق فكان قريباً منا جداً ويتابع كل شي يخص عائلتنا وبعد فضل الله ثم فضله لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ،، ففضله علينا كبير ودينه علينا غريم و لا يمكن أن نقوم بجزاء هذا الفضل و وفاء هذا الدين بإي حال من الأحوال فيكفي أنه ضحى بحياته وأفنى عمره من أجل مستقبلنا وكل ما حققناه اليوم فليس لنا فيه فضل ولا مِنةّ ،، ففضله لله سبحانه ثم لوالدي رحمه الله تعالى، يحكى أن الحجاج أبن يوسف الثقفي ذهب إلي أحد رجال التنبؤات وكان طاعناً بالسن وسأله من سوف يحكم العراق بعده فأخبره بذلك ثم قال الرجل للحجاج هناك رجل يقتلك بعد موتك ويقصد سعيد بن جبير فغضب الحجاج وسأله من هذا الرجل فقال لم يتراءى لي غير ذلك وقال الحجاج والله لو أن ملك الموت محفاً بك وقريباً منك لقطعت عنقك ، وقد ندم الحجاج ندماً شديداً بقتله سعيد بن جبير لأنه أصبح يلاحقه في حياته بالألم النفسي والأحلام المفزعة ، ولربما هذه القصة تنطبق على كل إنسان فقد والديه لأن فراق الوالدين يشكل ألماً كبيراً في النفس ويلاحق الإنسان طوال حياته فليس بالسهل أن يفقد الإنسان والديه وبرحيل والدي لم يعد هناك في حياتي شخص بمكانة والدي تقرب منه وهتم فيه فقد ذهب كل ذلك مع والدي رحمه الله ، ولكن ما يعزي النفس ويجبر الكسر أن والدي ولله الحمد كان محبوباً لدى الجميع ويضفي على كل جلسة روح الفكاهة واللطافة وما يعزي النفس أن والدي كان مقبولاً لدى الجميع ،، لقد داعني أحد الأصدقاء في مجلسه وطلبت من والدي أن يذهب معي فوافق وعندما انتهت الجلسة وكان هناك بعض الأشخاص وعندما قمنا للمغادرة طلبوا من والدي أن يأتي مرة أخرى وكان طلبهم فيه إلحاح شديد عندها شعرت أن والدي مقبولاً لدى الجميع لأنه كان مرحاً و رجلاً شعبياً يتحدث ويضحك مع الكبير والصغير ليس في نفسه ذرة كبر و استعلاء ، وأن ما يعزي النفس أن الجميع يثنى على والدي بحسن خلقه وفكاهته مع الجميع ،وما يعزي النفس هو النعمة العظيمة التي وهبها الله لي ولربما حرم منها بعض الناس وهي أني أدركت والدي وحظيت بشرف خدمته ورعايته والاهتمام بشؤونه لقد كان والدي رجلاً قوياً ذكياً ولم أتخيل يوماً ما أن أرى والدي رحمه الله قد كسره المرض وبلغ منه الشئ الكثير لقد كنت أتألم أشد الألم عندما أرى والدي كيف كان وكيف أصبح ولكن ما يعزي النفس أنني على ثقة كبيرة أن كل ما أختاره الله سبحانه وتعالى لوالدي هو خير وفضل كبير ،،، و ما يلهج به اللسان هو بالحمدلله على ما اختاره الله سبحانه وتعالى ، و في النهاية أقول اللهم أنك تعلم أني بذلت كل نفسي و جهدي و وقتي ومالي وكل ما أستطيع وهو قليل جداً بحق والدي فالعذر منك أبا بدر والعذر عند الكرام مقبولا وذلك حتى أرى والدي في راحة وسعادة فأن قصرت في شئ فهو ضعف مني ، وأن أصبت فهو فضل منك يا أرحم الراحمين فرحم والدي واجعله في الفردوس الأعلى من الجنان العظيمة وأختم هذة المقالة بأبيات شعرية مُقتَضَبة :

أَبَا بَدْرٍ فَقَيْدَ بَلَدًا
رَجُلًا مِنْ قُومَاً كِرَامِ
أَبَا بَدْرٍ إِلَى جَنَّةِ خُلْدًا
إِلَى روضً وَنَعِيمِ مُقِيمِ
فَقُدْتُ بَعْدَكَ كُلَّ سَنَدًا
فَقُدْتُ إِنْسَانًا وَكُلُّ الْأَنَامِ
فَقَدَّتْ رَجُلَا عَنْ كُلُّ أَسَداً
فَقُدْتُ حَلِيمًا وَرَجُلًا هُمَامِ
بِكَ يَعْجَزُ الْقَافُ وَكُلُّ أَمَداً
بِكَ تَقَفٍّ الْحُروفِ وَكُلُّ الْكِلَاَمِ
تَقْطَعُ الْقَلْبُ عِنْدَ لَحْدً
وَرَاحَتِ النَّفْسُ عِنْدَ السَّقَامِ
سَأَلَتِ اللهُ عِنْدَ كُلُّ سُجَّدً
وَسَأَلَتِ اللهُ عِنْدَ الزِّحَامِ
سَأَلَتِ اللهُ الأحَد الصَّمَدً
الْعَفْوَ عَنِ الذُّنُوبِ الجسامِ