“التارقت” هو مصطلح انجليزي لا أحب أن أستخدمه ولكني مُضطر لذلك من أجل توضيح فكرة المقال وإيصالها للقارئ الكريم بيسر وسهولة، فهو يعني “الهدف” ويُقصد به في الوظيفة الهدف البيعي المطلوب من الموظف الوصول إليه في مجال عمله لفترة محددة ويعتبر وسيلة لقياس أداء بعض الموظفين في البيع والتسويق، ولكن ما يجهله الكثير هو أنه عمل مؤسسي متكامل تُساهم في تحقيقه الاستراتيجية المتقنة والسياسات المفهومة والإجراءات الصحيحة والواضحة والدراسة الدقيقة والواقعية لسوق العمل وخطة العمل المُتقنة والمُنظمة والموظفين الجيدين ونوعيتهم وميولهم وتعاونهم كفريق عمل والإدارة الخبيرة الناجحة وخاصة إدارة الوقت واستثماره بالشكل الأمثل والمتابعة المستمرة وسرعة اتخاذ القرارات وحل المشاكل وتذليل الصعوبات والعقبات، وأخيراً جودة المنتج المقدم للعملاء للوصول للهدف “التارقت” المطلوب.

إذاً التارقت هو مسؤولية جماعية متكاملة، ولا يعني عدم تحقيق الموظف للتارقت المستهدف منه أنه المسؤول الوحيد عن ذلك، بل لابد لإدارة الموارد البشرية في المنظمة العملية دراسة عدة أسباب من أهمها: هل التارقت المقرر على الموظف واقعي ومنطقي وغير تعجيزي وقابل للتحقق؟ وهل تم تحديد ومطالبة الموظف به بوقت كافٍ قبل بداية المدة المحددة؟، وكذلك عدم استهداف فئة العملاء المناسبة للمنتج، وعدم وضع الأسعار المناسبة له مقارنة بالمنافسين أو العروض المرافقة للمنتج، وعدم القدرة على إضافة قيمة للمنتج بسبب عيوبه أو تفوق منتجات المنافسين أو ضعف تدريب الموظفين على العرض والمعلومات، والأسئلة المتوقعة من العملاء أو عدم الدراية الكافية بقيمة المنتج الحقيقية، وعدم تغيير الأساليب القديمة المتبعة وضعف استخدام التقنية والتكنولوجيا في التسويق، والتقصير في الاستماع للعملاء وللموظفين عن الملاحظات والمشاكل المتعلقة بالمنتج وضعف التوجيه، أو تعيين المنشأة لموظفين في التسويق لديهم صعوبات ونقاط ضعف أو نقص خبرة في مواجهة العملاء كالخجل وعدم الثقة بالنفس وكثرة الحديث أو رهبة الاتصال بالآخرين أو سوء التعامل وسوء المظهر، أو التأثر بالسلبيات وغيرها من الصعوبات التي تعيق عملية البيع والتسويق، أو عدم إقرار رواتب مناسبة للموظفين وحوافز تشجيعية لتحقيق الهدف المطلوب واستمرار الأداء الجيد.

لذا أصبحت “بعض” المنظمات العملية الخاصة لا تبذل جهودا واضحة لمعرفة أسباب عدم تحقيق التارقت ولا تقوم بدراستها أو حتى النظر فيها ومحاولة علاجها، وتستسهل قرار الاستغناء عن الموظف لتخفيف التكاليف التشغيلية والضغط على بقية الموظفين من أجل العيش تحت ضغط نفسي عالٍ لتحقيق التارقت المطلوب منهم حتى لو كان ضرباً من الخيال وبذلك تكون قد نجحت هذه المنظمة في تخفيض عدد الموظفين وزيادة المبيعات والأرباح دون النظر لنفسيات الموظفين وأوقات الدوم الرسمي لهم وتأثير ذلك على حياتهم العملية والأسرية والصحية ومدى الرعب والخوف الذي يكابدونه بسبب إمكانية خسارة الوظيفة وشبح التارقت الذي يطاردهم يومياً وأسبوعياً وسنوياً خاصة بعد استحداث نظام العقود السنوية للموظفين والذي أتمنى من الوزارة المعنية إعادة النظر فيه ودراسته جيداً لتحقيق مبدأ الأمان الوظيفي للموظفين وعدم قبول الاستغناء عن أي موظف بهذه الحجة إلا بعد استيفاء كافة الشروط والخطوات العادلة التي تضمن حق الموظف والمنظمة في هذا الاستغناء ويكون ذلك تحت إشراف الوزارة وأقسامها المختلفة.

وأختم برسالتي التي أوجهها لكل مسؤول وصاحب قرار في المنظمات العملية الخاصة وليس الهدف من الرسالة عاطفي أو الرغبة في إيجاد أعذار للموظفين المتقاعسين عن العمل أو التشجيع على التقصير في العمل، بقدر ما هي لمراعاة الله والخوف منه في وضع وتحديد التارقت المناسب لسوق العمل والواقعي لكل موظف بما يرضى الله ورسوله بعد دراسة السوق المستهدف جيدا ودراسة أسباب عدم تحقيقه لدى البعض والجلوس معهم لمعرفة الأسباب وكيفية علاجها وتحسين وتطوير الموظفين قبل التسرع والاستغناء عن رب أسرة قد يتم هدمها وتشتيت أطفال وضياع أجيال بسبب قرار خاطئ كان من الممكن تغييره للأفضل، حيث يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام “إِيَّاكُمْ والظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ هو ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ” (الألباني – صحيح الترغيب)، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل عندما بعثه لليمن “واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ” (الألباني – صحيح الترمذي).