أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته “إن للحق نوراً ، وللفضيلة جمالاً ، والحكمةُ البالغةُ ، والموعظةُ الحسنةُ حين تكون في كلماتٍ رصينة ، وخطابٍ رفيق تُقْبِل عليها النفوس ، وتأنس بها العقول ؛ من حجة ظاهرة ، وبرهان جلي ، في رفق وأدب : دالةٍ على أن لكل مقام مقالاً ، ولكل طبقة خطاباً، وكلمات جامعات فيها تذكير بما يلين القلوب ، ويهذب النفوس ، ويرد الشارد ، مواعظ تدل على الهدى ، وتحفظ من الردى ، وتزيد المؤمن إيماناً ، والعمل الصالح إحساناً ، توجيهات من أجل صلاح المعاش والمعاد ، والفوز بالدارين ، وتحصيل السعادتين ، توقظ غافلاً ، وتعلم جاهلاً ، وتبصر بطريق الحق ، وتأخذ بالفضيلة ، وترد عن الرذيلة.
وأشار الشيخ ابن حميد إلى أن هذا التوجه والتوجيه يقول أهل العلم: الاستقامة على الحق تكون في سلوكِ سبيلِ الهدى ، وطيبِ الغذاء ، والجدِّ في تحصيل التقوى ، وملازمةِ الذكر ، ولزومِ الشرع ، وتعظيمِ حرمات المسلمين ، ومن استقام باطنه استقامت أموره والخيرُ في خمس خصال : لباسِ التقوى ، والثقةِ بالله ، وكسبِ الحلال ، وغنى النفس ، وكفِّ الأذى ، وأدوأُ الداء خلقٌ دنيء ، ولسانٌ بذيء .
وأوضح فضيلته أن إمهال الله ليس إهمالاً ، فالعبد مُساءل ومجازى ، ولا يتعظ إلا أهل الخوف والخشية وكفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى به جهلاً أن يعجب بعمله، مبيناً أنه يجب أن يحذر العبد الناصح لنفسه من خشوع الظاهر وفجور القلب ، وليستحِ العبد أن يُصلح ما ظهر للخلق ، ولا يُصْلحْ ما يعلمه الخالق جل وعلا (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن ستر عورة أخيه ستر الله عورته ، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ثم يفْضَحْه ولو في جوف بيته، منوهاً بأن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، والكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار. وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، والحسد يُولِّد قلة الشفقة بالمسلمين ، وبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد .
وذكر إمام وخطيب المسجد الحرام أنه مِنْ ظُلْمِ العبد لنفسه أن يجد لنفسه عذراً في كل شيء ولا يعذر إخوانه في أي شيء، ولا يعتذر إلا القوي ، ولا يسامح إلا الأشجع ، ولا ينسى إلا الأسعد، وأن الخلق لا يذمون العبد إلا بمقدار ما جعل الله في قلوبهم ، ومن خاف الله لم يضره أحد ، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد ، وعلى قدر حب العبد لربه يحبب إليه خلقه ، وكلما زاد خوفه من ربه ألقى الله مهابته في عباده .
ودعا إلى قول الصدق ، ولزوم الحق ، وعمل الصواب ، وسوف يرضى الناس ولو بعد حين، وهمُّ الدنيا ظلمة في القلب ، وهمُّ الآخرة نور في القلب، والغضبُ عقابٌ يعاقب به المرء نفسَه والمخطئُ غيرُه، والصداقة خسارة إلا ما صافيت، والمال حسرة إلا ما واسيت، والمخالطة تخليط إلا ما داريت، وليعلم العبد الصالح الناصح لنفسه أن اختيار الله خير له من اختياره لنفسه ، فالعبد مدبَّر لا مدبِّر، وسخطه لا يغير القضاء ، فليلزم طريق الرضا بالقضاء، والثبات يكون عند الابتلاء ، أما في زمن العافية فالثابتون كثير ، والرضا حين البلاء ، أما في حال طيب العيش فالراضون كثير، ومن أطاع مطامعه استعبدته، ومن زادت مطامعه هان عليه دينه، والأطماع تقطع أعناق الرجال، وأن سبب الخلاف بين الناس إما مقصود لم يفهم أو مفهوم لم يقصد .
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن من يتعامل مع أدوات التواصلَ فْليُذَكِّر بفريضة ، ولْيدُلَّ على سنة ، ولينبِّه على خطأ ، ولينصحْ باحتساب، وليحتسبْ الأجر والثواب ، وليحرصْ على جمع الكلمة ، وإحسان الظن ، وليحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه ، وليظنَّ بأخيه الخير ، وليتق شر ظنون نفسه، وليحذر أن يكون الناصح لنفسه في هذه الأدوات ممن يتجوّل بدلاء فارغة ، ويجعل عقله مستباحاً لمتطفلي هذه الأدوات الثرثارين بما لا ينفع، في السعادة عبد رزقه الله توبة تحفظه من الإصرار ، وخوفاً يقيه من التسويف ، ورجاءً يقصر عنده الأمل ، وعَمَر وقته بذكر ربه في توحيد خالص وإخلاص صادق ، وكلُّ ساقٍ سيُسقى بما سقى ، ومن ذُكِّر فلم ينزجر فهو محروم ، ومن دخل في ما لا يعنيه فهو الملوم، والحرص على أن تكون ممن إذا علم رفق ، وإذا سُئل بذل ، وكن عوناً للمسترشد ، وحليف الصدق للمستنصح ، ومستودع البر للمسترفد ، قريبَ الرضا ، بعيدَ الهمة ، الحقُّ مبتغاك ، والحياءُ سترُك ، والورعُ سربالُك ، في بصائرَ من النور تبصرها، وحقائقَ من العلم تأخذ بها ، وإذا زللت فارجع، وإذا أخطأت فاعتذر، وإذا أذنبت فأقلع، وإذا جهلت فاسأل ، وإذا غضبت فأمسك، واعلم أن لك الفضل ما لم ترَ فضلك ، فإذا رأيت فضلك فلا فضل لك .
تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي عن الموت، بوصفه مآل كل إنسان في هذه الحياة الدنيا، طال عمره أو قصُر، مذكراً العباد بالاستعداد والعمل لهذا اليوم الموعود، بطاعة الله عزّ وجلّ، والقيام بالأعمال الصالحة من برٍ وإحسان ومعاملة الخلائق بالحسنى، واجتناب المعاصي والآثام.
واستهل الشيخ عبدالباري الثبيتي خطبة الجمعة من المسجد النبوي موصياً المسلمين بتقوى الله جل وعلا، فهي زاد العبد، وبها فلاحه في الدنيا والآخرة، مذكراً أن عبارة “مات فلان” تتردد في كل وقت وآن، وتطرق الأسماع في كل حين، تغيّر مجرى الأحداث، وتشكّل منعطفاً في الواقع، وصدمة في الحال، ففلان هذا كان يحلمُ ويتمنى، ويأمل ويطيل الأمل، ويتقلّب في دنياه وفي بيته بين أولاده وأسرته، لقد كان يأمر وينهى، ويمشي في الأرض مرحباً، فإذا به قد أسلم الروح إلى باريها، وغدا جثة هامدة، شاخص البصر، لا يملك لنفسه شيئاً، ولا يقدر على شيء، خرج من منزله الواسع، وقصرهِ المُنيف، بلباسٍ البياض، إلى حفرة، يُهال عليه التراب.
وتابع فضيلته : حين ترى فلاناً مسجى جثة هامدة لا يملكُ لنفسه نفعاً ولا ضراً، تتبين لك حقيقة ضعف الإنسان مهما تكبر، وعجزه مهما تعالى، فمن يرى نفسه الأرقى نسباً، والأرفع حسباً، والأكثر مالاً، والمتغطرس والمتعالي، فهذه نهاية الإنسان في الحياة الدنيا، يحتضر، فيتحلّق حوله أهله، ويرون حاله، ويرمون إنقاذه، تقف البشرية كلها عاجزة بما تملكه من علم وهي حريصة على الحياة أن تؤجل الأجل ساعة من نهار أو لحظة من زمان، إعجازٌ إلهي، وقدرة خالق، قال الله تعالى: “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ”، وقال سبحانه: “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
وبيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله جعل زمن موت الإنسان و قبض روحه في صحيفة الغيب، فالموت يأتي فجأة بلا استئذان، وهذا حال كل إنسان، قال الله تعالى :” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
وأوضح الشيخ عبدالباري الثبيتي أن الناس يتفاوتون في تحمّل صدمة وفاجعة وفاة قريب على قدر إيمانهم، وبقدر رسوخ الإيمان يتحلى المرء بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره، قال تعالى: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.
وأشار أنه إذا كان الأجل غيباً، فإن أهل البصائر يعقدون العزم على الاستعداد بحسن الزاد، يتفقد المرء عبادته، ويسبرُ مسار صلاحه، ويراجع علاقته بخالقه، ويراجع كشف حسابه، ومسيرة عمله وصلاته، وحقوق الآخرين عليه، وبر والديه، وصيامه، وزكاة ماله، وقراءة القرآن، وموقفه من حدود الله من المناهي والمحرمات، مذكراً أنه بوفاة المرء يحزن أهله وذويه ومع مرور الأيام والشهور ستجف الدموع، وتختفي الأحزان، وتبقى الذكرى طيف من خيال، وكل فرد سيأتي ربّه يوم القيامة وحده، لا مال له، ولا ولد له، ولا نصير له، فنرى هذه الحقيقة ماثلة للعيان في موت فلان حين يحمله على النعش أهله المحبون له، وأولاده المشفقون عليه، وبعد أن يوسد التراب، يرجع الجميع ولن يبقى معه بقبره سـوى عمله، قال الله تعالى: “وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ”.
وذكّر الشيخ عبدالباري الثبيتي بأهمية أن يبقى للإنسان أثر طيب بعد وفاته، بعمل خير أو بحسن تعامله مع الخلائق، مبيناً أنه بعد موت البعض تنتشي الألسن بالحديث عن أثره وآثاره، وحسناته وأخلاقه، فالجار يثني على حسن جواره، والقريب يقدر صلته وإنفاقه، والفقير يذكر صدقته وإحسانه. فيرحل أقوام وتبقى صحيفة أعمالهم ممتدة، وحسناتهم تتدفق وتتزايد، بوقف خالد، أو ولد صالح، أو علم في الأرض سائر، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.
وأضاف قائلاً، ومنهم من إذا مات تثاقلت الألسن عن ذكر أثره، ووصف عمله، لسوء خلقه، وشناعة عمله، بل قد يدعو عليه مظلوم من شدة ما وجد من ظلمه، فكم من حقوق سلبها ومظالم اقترفها، أو عمل شائن خلّده بعد موته.
التعليقات
اترك تعليقاً