في يوم كان الغيم يلف مدينتي الحالمة جدة خرجت من منزلي قاصدة احدى مستشفيات مدينتي لعلاج تلك الوعكة الصحية التي المت بي ولأخذ جرعة البخار المعتادة.

كان الوقت قبيل غروب الشمس بقليل وكان لازال ذلك الغيم يعانق الأفق وصلت لوجهتي بحمد الله وخلال وقت قياسي انهيت ما جيت من اجله وفجاءة اذا بي اسمع الأصوات تتعالي والكل يركض نحو بوابة المستشفى الكل يركض الممرضات بعض الأطباء وحتى العاملين والعاملات بالمستشفى وأيضا المراجعين.

الكل يركض وتوجهت ناحية الصوت واذا بي أرى المطر بداء ينهمر بغزارة وبدا الرعد يرعد والبرق يبرق وامتلأت الدنيا بلحظة بزخات المطر والكل بداء سعيدا والضحكات والأبتسامات بدأت جليه على وجوههم وأنا كنت أقف بعيدة هناك في ذلك الممر ولكني كنت أرى وأتأمل كل ذلك من بعيد تأملت البعيد من بعيد شممت ان برائحة ذلك المطر ان هناك حنين ينبعث في أرجائي وصدى ضحكات تختزل في مسامعي وحكايات قديمة تصغي لها روحي.

بلحظة شعرت أنني خارج نطاق المكان وأني بمكان أخر تعبق به ذكريات الأمس ذكريات الأحبة الذين فارقوا هذا العالم ذكريات شعرت بأن صمتها كان يعانق السماوات. لم يكن ذلك الحنين يكمن فقط في الأمكنة والوجوه المحببة إلى قلبي، ولكنه يرتبط بأرواح لم تغادرني لحظه.

كانت لحظات الفرح والحياة التي عشتها في الماضي تتداخل الآن مع لوعة الفقد وألم البُعد، اعادت إلى ذهني صور الأيام الغابرة التي امتزج فيها الفرح مع صدى ضحكات الراحلين، ضحكات بعيدة، لكنها ما زالت تلامس الأذن وكأنها بالأمس.

في ذلك المساء الممطر كان الصمت يلف المكان الذي أقف فيه على الرغم من صخب كل الأشخاص المتواجدين حولي بنفس بالمكان كان الحزن على فقدان الأحبة يلف قلبي برقة وعمق على أيام وسنوات مضت ولن تعود، تلك الذكريات بأكملها حية وملموسة وتقبع بدواخلي، هطول المطر والريح التي تعصف بالأرجاء كانت وكأنها شاهد على زمن فائت.

في كل ركن من أركاني، وفي همس الرياح وبين الدروب، تسترجع ذاكرتي مشاهد فائتة تحتفظ بعبق الماضي وسط صخب الحاضر، لم تغب يوما عن ذاكرتي تلك الصور الحانية التي أتأملها من حين لأخر والتي كانت في كل مرة تعثر فيها قلبي على بقايا الفرح تعود فتمنحني السلوان والراحة.

وها هي اليوم، تلك الذكريات الخالدة في ثنايا الروح تصبح ملاذاً يلوذ به القلب الموجوع احاول الإمساك بخيوط الأمل كالسراب الذي يحاول القلب جاهدًا الإمساك به. يتحول الحنين إلى شعورًا مؤلمًا ولكنه أصيلًا، يتجذر في الوجدان محاولا تحدى النسيان.

في عزلة الذكريات دائما ما يجد المرء نفسه يتأمل في كل تلك الأشياء التي من حوله والتي كانت تعني الكثير. ما زلت اسعى للإمساك بها ولو كانت في إطار الذاكرة فقط. وبين متاهات الذكرى، ابحث عن مواساة، فتتراءى لي الأوقات الجميلة كحلم يصعب استعادته.