كم تدفع ؟
يعتبر المهر حق من حقوق الزوجة التي يجب أن تحصل عليه من الزوج ضمن اتفاق في عقد الزواج، وأوجب الله عز وجل المهر للزوجة كما جاء في قوله تعالى في سورة النساء: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)، وقد أجمع علماء الإسلام على ذلك منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا.
رغم أنه سبحانه أوجب المهر لكنه لم يحدد له مقدار معين؛ والسبب في ذلك عدم إيقاع الزوج في المشقة والحرج وفرض مقدار للمهر أكبر من إمكانيته، فقام الشارع بترك تحديد قيمة المهر للولي، والغاية من المهر تكريم الزوجة وبيان صدق الارتباط.
والمهر مبلغ من المال يقدمه الزوج لزوجته وفي ذلك المال حفظ لحقها وقد كرمها الله عز وجل بأن أوجب لها المهر ويكون مقدار المهر متفق عليه قبل الزواج ويتم تأكيده بعقد الزواج.
ولكن ما نشاهده اليوم عند بعض آباء وأمهات البنات يندى له الجبين في مبالغة البعض منهم بطلب مهر كبير مبالغ فيه أو طلب مشتريات أو هدايا معينة وسؤال بعض أولياء البنات هذا الزوج المسكين الذي يريد العفاف والستر ( كم تدفع مهراً ؟) قبل الجلوس مع الخاطب والتعرف عليه ومعرفة أي تفاصيل.
وقد قرأت أن بعض أولياء البنات يطلبون مهراً كبيراً بسبب أن عليه ديون أو إيجار شقة، أو يريد يشتري سيارة لنفسه أو لولده بمبلغ المهر ولا حول ولا قوة إلا بالله، فما ذنب الأزواج في هذه الأمور، وما ذنب البنت المسكينة التي تمنع من الزواج بسبب والديها، وهذه التكاليف الكثيرة توقع الأزواج في الديون الكثيرة من البنوك والشركات مما يثقل كاهلهم ويكدر الحياة الزوجية ويفقدها السعادة والراحة النفسية والاستقرار، ويسبب هذا الأمر كثرة المشاكل وزيادة حالات الطلاق، وكره الزوجين بعضهما البعض، وتفقد الأسرة السكن والمودة والرحمة التي هي سر السعادة الزوجية.
والسنة التخفيف في المهر، والتيسير فيه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(خير النكاح أيسره). رواه ابن حبان وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (3300).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خير الصداق أيسره). رواه الحاكم والبيهقي . وصححه الألباني في "صحيح الجامع "(3279).
وقد كان مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم 500 درهم من الفضة، وكان مهر بناته 400 درهم، وقد استحب الفقهاء ألا يزاد في المهر على ذلك.
قال النووي رحمه الله: "والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتى عشرة أوقية ونشا ، أتدرون ما النش ؟ نصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم)" "المجموع " (16/ 322).
ولكن كانت الفضة في تلك الأزمنة لها شأن، وكان الدرهم من الفضة يساوي عُشر الدينار من الذهب.
والأقرب أن السنة في المهر: التخفيف فيه ، بحيث يحصل مقصد الشرع من الحث على النكاح ، والتشجيع عليه ، وتيسير السبل إليه ، ولا يرهق الزوج بما يشق عليه من المهر وما إليه من نفقة التجهيز ، وإثقال كاهله بالدين ، وهو في مقتبل عمره ، وأول حياته ، كما هو حاصل مشاهد من الناس .
ويحقق في الوقت نفسه: مقصد الشرع ، من إكرام المرأة ، وإعطائها حقها في الصداق ، اللائق بها، ولا يكون ذريعة لتساهل الناس في أمر الطلاق ، لخفة ما أنفق من المهر ، أو ما يلزمه من ذلك ، إذا طلق .
ويكون مرد ذلك إلى حال الناس من اليسار والإعسار ، وما يتعارفون عليه من التخفيف في مثل ذلك .
والله تعالى رغب في التقليل والتيسير ترغيبًا في النكاح، وعفة الرجال والنساء، فالمشروع للمؤمن أن يخفف وألاّ يتكلف في ذلك. والمقياس الحقيقي في اختيار الزوج الدين والأخلاق قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
هذا الحديث واضح وصريح في حسن الاختيار، حيث ارتكز على صلاح الدين وصلاح الأخلاق، فعند توفر ذلك، يقيناً سيكون زوجاً صالحا.
وما الفائدة من زوج يدفع المهر الكثير وهو ضعيف الدين وعديم الأخلاق ثم تعيش معه هذه البنت المسكينة حياة الذل والاهانة، والتعب والشقاء والعناء.
وقفة:
أحبتي القراء الكرام: الزواج ستر وعفاف وتحصين للشباب والبنات من الوقوع في الحرام، وحفظ للمجتمع، وإنشاء أسرة مسلمة تعبد الله تعالى، وليس صفقة تجارية الكل يطمع بأعلى ثمن فيها.
